سؤال:
مجموعة من الشباب من الجنسين
يقومون بالأعمال الخيرية مثل زيارة الأيتام والمرضى وإطعام الفقراء ....
ويكون التعامل المباشر بينهم في حدود تنظيم العمل الخيري . فهل يجوز
اللقاء بينهم في هذه الأعمال ؟
الجواب:
الحمد لله
القيام
بالأعمال الخيرية ، من زيارة الأيتام والمرضى وإطعام الفقراء ، أمر عظيم
دعت إليه الشريعة ، ورغبت فيه ، ورتبت عليه ثوابا جزيلا ، وأجرا كبيرا ،
قال تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا
وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا
نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا
يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا
جَنَّةً وَحَرِيرًا ) الإنسان/8- 12.
وقال
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي
الْجَنَّةِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ
بَيْنَهُمَا شَيْئًا ) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983) .
وروى
أحمد (7260) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا شَكَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ
قَلْبِهِ ، فَقَالَ لَهُ : ( إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ
الْمِسْكِينَ ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ) والحديث حسنه الحافظ في الفتح (11/151) ، والألباني في صحيح الجامع برقم (1410) .
وروى
مسلم (2568) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي
خُرْفَةِ الْجَنَّةِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا خُرْفَةُ
الْجَنَّةِ ؟ قَالَ جَنَاهَا) أي : ثمارها ، قال النووي رحمه الله : "أي
يؤول به ذلك إلى الجنة ، واجتناء ثمارها".
وروى الترمذي (969) عن
عَلِيٌّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا
غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ
، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ
مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي . والخريف هو البستان .
إلى غير ذلك من النصوص المشهورة في فضل هذه الأعمال .
ولا
حرج على المرأة أن تباشر هذه الأعمال ، فتحسن إلى الأيتام ، وتطعم الفقراء
، وتزور المريضات من النساء ، ما دامت متمسكة بما أمر الله تعالى من
الحجاب والستر وعدم الاختلاط بالرجال ، بل هذا مستحب مندوب في حقها .
ولا
شك أن للمرأة دورا عظيما في هذا المجال ، فإنها تستطيع التعرف على الأسر
الفقيرة ، وإيصال المساعدات إليها ، والتعاون مع أخواتها المسلمات
وتشجيعهن على البذل والعطاء في هذا المجال ، لكن لا مسوغ ولا مبرر
لمقابلتها الرجال الأجانب ، بحجة تنظيم العمل الخيري ، أو مباشرته ، بل
يكفيها أن تعمل مع مثيلاتها من النساء ، وأن يعمل الرجل مع الرجال ، سدا
للذريعة ، ومنعا لحدوث الفتنة بها أو لها .
وإن لزم الأمر في تعاون
الرجال مع النساء في هذا المجال ، فليكن عبر زوجات هؤلاء الرجال أو بعضهن
، فيقمن بالاتصال بالنساء وتنظيم العمل معهن .
وإذا كان هؤلاء الشباب
غير متزوجين ، فالفتنة هنا أعظم ، والخطر أكبر ، وهو من "خطوات الشيطان"
التي حذرنا الله منها ، كما قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21
، ولا شك أن لقاء الشاب بالشابة أو الرجل بالمرأة ، ولو بحجة تنظيم العمل
الخيري ، هو من خطوات الشيطان ، التي قد تجر إلى ما هو أكبر وأعظم .
وقد حدث بسبب ذلك من القصص والمآسي الكثير والكثير ، والعاقل هو من يعتبر بغيره ، لا من يكون عبرة لغيره .
فعلى
هؤلاء أن يتقوا الله تعالى ، وأن لا يخلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً ، وأن
يبتعدوا عن أسباب الفتنة والانحراف ، وأن يحذروا من مكر الشيطان وتلبيسه .
نسأل الله أن يعيذنا جميعا من فتنة القول والعمل .
والله أعلم .